10‏/03‏/2012

من حمص السورية إلى "فوردو الإيرانية"..

عنق الزجاجة الأمريكي يضيق حول "احلام ساركوزي" و "قنابل حمد"

كان كلام قائد الجيش اللبناني أمس حاسماً ،  أعلن جان قهوجي بوضوح لا لبس فيه "الذين يطالبوننا بتسهيل عبور المسلحين أخطأوا بالطلب وبالعنوان" وإذا عطفنا هذا التصريح الاستثنائي لقائد الجيش اللبناني (رداً على طلب سفيرة أميركا في لبنان) على تصريح البطريرك الراعي بأن "الدولة اللبنانية لا تحتاج إلى أحد لتأخذ قراراتها" يمكن لنا أن نستنج بسهولة القراءة اللبنانية الجديدة للتعامل مع الوضع في سورية بعيداً عن أهزوجة المخاوف والتطمينات فالتصريحان جاءا في توقيت سياسي مستند، إلى وقائع سياسية وعسكرية فرضتها المتغيرات "السورية" عالمياً وتمظهرت في عدة مواقف بنت عليها أو كانت في صلب صناعة تلك المتغيرات، بدءاً من الموقف الأميركي المختلف مع اسرائيل غمزاً باتجاه ايران والرد الايراني المتمثل بكلام السيد الخامنئي حول "امكانية التفاوض لحل الخلافات" والتأكيد المتواصل وبشكل شبه يومي من قبل روسيا والصين لرفضهما اي مساومة على سيادة سورية ومكانة رئيسها وليس آخرها التذكير الروسي البوتيني أن لا شيء سيتغير في الموقف الروسي تجاه سورية بعد انتصار بوتين أو بعد ما بعده.



المبعوث الدولي كوفي عنان يجول في عواصم العالم مبشراً "لا حل عسكري" في سورية، ويترجمه الأميركي تصريحاً لا تلميحاً  "لا نية بالتدخل العسكري" ولا مصلحة .. ولا قدرة .. فهل هذا الحراك دليل تغير في الموقف الدولي نتيجة "المتغيرات السورية" على الأرض والحسم في حمص أم مرتبط بمفاوضات الطاولات المتحركة بين ايران واميركا؟

 طرحنا السؤال على دبلوماسي اجنبي في بيروت فكان جوابه أمر بين أمرين فالحراك الدولي يتعاطى مع الملفات من خلال "سلة مصالح" واحدة حين يحشر في زوايا الأزمات .. ويفردها واحدة تلو الأخرى حين يخرج من عنق الزجاجة .. والأميركي اليوم في أضيق نقطة في عنق الزجاجة السورية، إذاً هو عنق الزجاجة مجدداً وهذه المرة يضيق حول رقبة الأميركي بشكل غير مسبوق في السياسة الدولية.

لبنان ذلك البلد المتروك على حافة الأزمات دولياً حين يتحرك فيه من يقول للأميركي "لا" من موقع "الصديق" لا من موقع الخصم السياسي تقليدياً تكون هذه الـ "لا"  مبنية فيه على وقائع وصدى المتغيرات الميدانية من جهة والمتغيرات الدولية من جهة ثانية، والبطريرك الراعي المشرقي "التفكير" والمنفتح "غربياً" لم يعد ينطلق في مواقفه من هواجس الخوف على المسيحيين في الشرق ولبنان بل يقرأ واقع المنطقة من منظور المفكر السياسي الذي يرى الأمور بشكلها الأوسع والأشمل .

لا يجد سياسي مسيحي معارض مشكلة في التصريح بأن الحراك العربي لم يأتي بفائدة تذكر على المعارضة اللبنانية والسورية باستثناء الدعم المالي والعسكري الذي ذهبت ملايينه إلى جيوب السياسيين وذخيرته فشلت في تحقيق اي نصر عسكري والوقائع السورية اسقطت امكانية الاستفادة منه لأنه لم يقف على أرض صلبة دولياً ويؤكد السياسي المبتعد عن الشاشات محلياً أنه في جولاته الأوروبية الأخيرة سمع كلاماً كثيراً حول التخبط العربي والتسرع في حرق المراحل قطرياً وسعودياً في الوقت الذي يلوم فيه قيادات البلدين على ارتمائها في حضن زعامات لبنانية وسورية لا تقدم شيئاً على الأرض عدا استفزازها الشعبين اللبناني والسوري كل يوم بتصريحاتها واتصالاتها وحتى مجرد ظهورها في صالونات القصور الخليجية. مردداً ما سمعه من مسؤول أوروبي في روما "هل يظن حمد أنه يستطيع اسقاط الأسد بواسطة قنابل الجزيرة الدخانية وصولات سمير جعجع" ؟

أن تصل الأمور إلى حد يرحب فيه رئيس الوزراء البريطاني بانشقاق "مسؤول نفطي" عن النظام فهذا أمر يبين إلى أي حد وصل فيه الإفلاس الدولي في الشأن السوري ومدى حاجة هؤلاء إلى أي فقاعة اعلامية لاستخدامها محلياً خاصة بعد وصول ساركوزي إلى شبه قناعة أن التدخل الفرنسي في شؤون سورية قلص احلامه بالتجديد لولاية رئاسية إلى حدودها الدنيا وبدأ يعلن انه سيتقبل الخسارة بنفس طريقة تقبله للفوز، وهو المنشغل اصلاً بهاجس البحث عن حل لورطة ضباطه المعتقلين في سورية بعد ضبطهم بالجرم المشهود إلى جانب المسلحين في حمص.

في هذا الوقت وبعيداً عن لبنان ومشاكل ساركوزي الانتخابية وعنق الزجاجة الأميركي تمضي سورية في برامجها الوطنية الاصلاحية بخطى ثابتة وتتقدم ايران خطوات على طريق فرض رؤيتها في المفاوضات مع الغرب فيما ينشغل العرب في طريقة لملمة الخسائر وحصرها وخصوصاً كيفية إعادة "البعبع" القاعدي إلى قمقم الاستخدام اللاحق أو "الحجر الأمني" ولإيجاد طريقة ما تخلصهم من المعارضة السورية ومتاهاتها التي تبدأ في الجيوب وتنتهي بخسارة كل الحروب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق